Add to Book Shelf
Flag as Inappropriate
Email this Book

نصرة المظلوم

By المظفر, حسن, عبد المهدي, الشيخ

Click here to view

Book Id: WPLBN0004023653
Format Type: PDF eBook:
File Size: 0.8 MB
Reproduction Date: 11/5/2012

Title: نصرة المظلوم  
Author: المظفر, حسن, عبد المهدي, الشيخ
Volume:
Language: Arabic
Subject: Non Fiction, Religion, الامام الحسين بن علي
Collections: Authors Community, Islam
Historic
Publication Date:
2012
Publisher: شعبة الدراسات والبحوث الاسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة
Member Page:

Citation

APA MLA Chicago

الشيخ حسن عبد المهدي المظفر, B. ا., & الحلو, Illustrato, م. ع. (2012). نصرة المظلوم. Retrieved from http://www.self.gutenberg.org/


Description
وقع في يدي كتاب (نصرة المظلوم) للعلامة الشيخ حسن المظفّر رحمه الله، وحين طالعت الكتاب من أوله حتى آخره شعرت بأهمية الكتاب، وخطورة مواضيعه، ولا أخفي أن الكتاب كأنه حكى عن طموحات قديمة كانت تراودني لإثارة مثل هذه المواضيع، وكدت أشرع لولا تقديم بعض الأعمال التي وقتت بوقتٍ معلوم، وكأن رغبتي تحققت في هذا الجهد المبارك، الذي مرّ عليه ما يقارب التسعون عاما وهو يتجدد بتجدد الحاجة إليه، وأي حاجة من أمر أثاره البعض بهجوم اكتسحوا فيه الثوابت، وخالفوا به ضرورات المذهب، بل ضرورات الدين، ووقفوا بوجه شواهد تاريخية حكت عن جهد أئمة أهل البيت عليهم السلام، بعد أن أسسوا لمثل هذه الشعائر، التي كانت فيها أسرار بقاء المذهب المطارد، بل قوته المهدّدة من قبل العتاة. ولعلي لا أبالغ لو قلت إن هذا الكتاب يُعدّ ورقة عمل لكل إنسان يريد أن يفهم ذاته من خلال مقارعة الظالمين بالفكر والثقافة والعمل المضادّ للمشروع السلطوي الذي احتكر الكلمة له، وألغى الآخر، وهمّش الفكر الأصيل أو حجر عليه، في حين وجدت هذه الشعائر طريقة التعبير الحقيقي عن الحق المضاع والهوية المطاردة. ونشطت لطباعة الكتاب والتعليق عليه، ولا أدّعي التعليق على الكتاب بسبب النقص في عرضه ومواضيعه، بل حاولت توضيح بعض ما قد يُشْكَل على القارئ الكريم، فضلاً عن إرجاع الأحاديث إلى مصادرها، لأن المؤلف - على الظاهر - اعتمد على ذاكرته في نقل الأحاديث، فجاءت مطابقة للنصوص الأصلية، أو أن ديدن المؤلفين القدامى - زاد الله في علو درجاتهم - لم يجدوا ضرورة إرجاع الحديث إلى مصدره، لثقة القارئ بهؤلاء الأعلام، فضلاً عن قلّة ما يتداوله الناس من مصادر، فلم تكن ضرورة للإرجاع. وكان الذي دفعني للإسراع في إنجاز هذا المشروع - مع حرصي على إخراج مثل هذا الكتاب من قبل - هو رغبة أُستاذنا المعظّم آية الله السيد محمد سعيد الحكيم (حفظه الله تعالى)، فعند الانتهاء من مجلس درسه المبارك كنت في خدمته أتحدّث عن أهمية الكتاب ورغبتي في طباعته، فشجّعني أيّما تشجيع، ووجدت منه العناية، كما عهدته حريصاً على ثقافة الشعائر الحسينية، الذي كان - وما يزال - يتحفنا في محاضر دروسه على التشديد في أهمية هذه الشعائر، فاستقيت هذا الشعور بالحرص من سماحته (أمدّ الله في عمره) راعياً لمثل هذه الثقافة، متصدّياً لكل ما يخالفها، بكل أساليبه العلمية، التي لا يجد المخالف مندوحة الاعتراض أو مجازفة التحريف. كما استفدت من سماحته (حفظه الله تعالى) أن الكتاب للحجة الشيخ عبد الحسين الحلي، المعروف بفضله وورعه وسعة باعه، وقد تصدى رحمه الله لهذه الهجمة الشرسة التي استغفلت بعض البسطاء من طلبة العلم، ليتحدث عما جالت به خواطره الساذجة، ليفتي - من دون أن يكون من أهلها - بحرمة هذه الشعائر، فكان الشيخ عبد الحسين الحلي يشعر بخطورة هذه الهجمة الخطيرة، والتي تنفّذ على أيدي أبناء المذهب. ولعلّي استفدت - عملي في الكتاب - أن جهداً مشتركاً بُذل من قبل الشيخين الحلّي والمظفر، وكان الشيخ المظفر أليق في التصدّي لنسبة الكتاب له، ولأمرين استفدتهما من سماحة أُستاذنا السيد الحكيم (حفظه الله تعالى... . الأول: أن الشيخ حسن المظفر من وكلاء المرجعية في البصرة، وأن البيان كتبه رجل بصري، وقد فعل في المجتمع البصري فعله، أدّى إلى فتنة لا تحمد عقباها، لولا تدخّل فتوى آية الله الشيخ النائيني ردّاً على أسئلة أهل البصرة، بعد إحداث هذه الضجة؛ بسبب التحريم الصادر من ذلك الرجل. على أن شواهد دفعتني إلى الاعتقاد - بل إلى اليقين - بأن الكتاب للحجة الشيخ عبد الحسين الحلي. فقد ذكر علي الخاقاني في شعراء الغري أن كتاب نصرة المظلوم هو للشيخ عبد الحسين الحلي رحمه الله، طبعه باسم غيره، (شعراء الغري ج5 ص271). وفي الذريعة ذكر أنه للشيخ إبراهيم حسن آل المظفر النجفي (الذريعة ج24 ص178)، إلا أنه عند ذكره لكتاب (النقد النّزيه) ذكر أن له كتاب (نصرة المظلوم). وذكر سماحة السيد أسعد القاضي في مقدمته لكتاب (النقد النزيه) ما رواه عن جده سماحة آية الله السيد محمد علي الحكيم (دام ظله) أن كتاب (نصرة المظلوم) هو للشيخ عبد الحسين الحلي، طبعه باسم الشيخ المظفر، (مقدمة كتاب النقد النزيه لرسالة التنزيه ص7). ولقد وجدت في كتاب نصرة المظلوم مؤلفاً يحكي عن عملاق لم ترحمه عاديات السنين من النسيان والتهميش كما هو في عظماء لم يعيشوا لأنفسهم، بل عاشوا لقضيتهم، وهذا هو حسب المؤلف المرتهن بجذوات الذكرى ونفحات الخلود. فلله درّه من خالد مجهول تتطاول ذكراه بامتداد سنينه العجاف. الثاني: أن مقام المفتي البصري لا يرقى إلى ردّ آية الله الشيخ عبد الحسين الحلي، الذي تصدّى إلى آخرين من طبقته، فلم يجد ما يناسب مقامه من أن يتصدى بنفسه لهذا الرجل. ولا يضرّ في الأمر كون الكتاب لأيّهما كان، طالما يحقق الهدف العظيم والغاية الكريمة، في الحفاظ على ضرورات المذهب، وتحصين الأمة من عجاف الأفكار الهزيلة.

Excerpt
بسم الله، وله الحمد على جزيل نواله، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله. وبعد فبينا أنا واقف موقف الاندهاش والحيرة - أسوة كثير من أهل الدين - لما وقع في الحرمين الشريفين وما والاهما من المنكرات، بهدم المشاهد والمزارات، وذلك في أول شهر المحرم من هذا العام( )، حيث يقام التذكار الحسيني المحزن، وكفى به جالباً للوجد القلبي، ومثيراً للبكاء المقرح، إذ انتهى إليّ عدد من جريدة (الأوقات العراقية) التي تصدر في البصرة، وفي مفتتحها مقالة ينقل صاحبها عن رجل من فضلاء أهل العلم( )، قطن البصرة منذ شهور، يدعى (السيد مهدي) أنه منع من تمثيل تلك الفادحة الكبرى والمصيبة العظمى، ومن خروج مواكب الرجال يضربون صدورهم بأيديهم في الأزقة والجوادّ العمومية، فقلت هذه المصيبة الثالثة، وما هي بأهون من الأولتين. ثم تواترت الكتب والرسل من البصرة إلى مراكز العلم في النجف، وهي ما بين عاذل وعاذر، محبّذٍ لهذا المنع ومستاءٍ منه، فشممت من ذلك روح الأغراض الشخصية بين فئتين، فأعرضتُ وقلت: فورةٌ لا مساس لها بالمذهب، سوف تسكن. ثم ما عتمت إلا وقد أرسلت بعد أيام من البصرة مقالة مطبوعة من مزخرفات ذلك الرجل الفاضل، مزج فيها بين الحق والباطل، ونسب الفرقة الجعفرية - في إقامة التذكارات الحسينية ببعض مظاهرها - إلى الإبداع، والقيام بأفعال وحشية همجية. وفي هذا تضليل للسلف الصالح من العلماء الأعلام، والقُوّام على الحلال والحرام( )، ورفع لأعظم شعار مذهبي، وما زالت تجتني الشيعة من فوائده، ما يحفظ كيانهم، ويثبت عقائدهم( ). فعلمت من أين جاءت هذه البليّة، التي تقضي - إن تمّت - على حياة الشيعة، وتيقّنت أن كيد المموّهين والمنافقين، وخاصة أفراد (الجمعية الأموية) - ذلك الكيد الذي لا ينطلي إلا على السذّج والبسطاء - قد أوقع هذا الرجل بإشراكه، فأفتى ومنع وقذف وضلّل ولفق أموراً ليس لها مقبل في ظل الحقيقة( )، بل هي «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده». كنت أجد لي فيما كتبه وأفتى به علماؤنا الأعلام في هذه الأيام، وطبع مُلحقاً برسالة في هذا الشأن لمعاصرينا الفاضل الشيخ محمد جواد الحجامي النجفي (حفظه الله)( )، المطبوعة في النجف مندوحةً عن الخوض في هذه المسألة، التي عزّ وعظم على كل عارف من الشيعة أن تقع موقع سؤال وتشكيك. ولكني الآن - بعد انتشار تلك المقالة التي هي قرة عين المناوئين - لا أجد مسوّغاً شرعياً للسكوت عما خفي على ذلك (السيد الصائل)، ومن يطرب على تصديته، عسى أن ينيب إلى الحق، ويتنبه إلى ما أغفله به الأغيار المفكرون، ومن الله أرجو أن تكون رسالتي هذه التي سميتها (نصرة المظلوم)، سبباً لهداية إخواننا المسلمين إلى اتباع الحق بيقين، إنه ولي ذلك، والقادر عليه. وها أنا - بعون الله وتوفيقه - ذاكر في مقدمة هذه العجالة بحثاً فلسفياً تاريخياً، ينتهي بالمتأمّل فيه إلى العلم بأن التذكارات الحسينية - بجميع أنواعها - حافظة للمذهب الجعفري عن الاندراس والدثور، وبهذا الاعتبار لا يحتاج في شرعية بعضها إلى ورود دليل خاص به( )، وأنه لا يعتني بسخرية الساخر، فإنه - في الحقيقة - ماكر لا ساخر - يريد إطفاء أنوار الأئمة الأطهار بكيده ومكره، «ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله». فأقول: يتردد على ألسنة عموم الشيعة نحو قول: (قُتل الحسين عليه السلام لإحياء دين جدّه)، ومرادهم بدين جده الطريقة التي هم عليها، من الاعتقاد - مع الشهادتين والمعاد - بإمامة علي وولده إلى المهدي عليهم السلام، وأنهم معصومون مبرّؤون عن كل ذنب وعيب، جامعون لكل فضيلة في البشر، وتفصيل إحيائه لهذه الطريقة بتسليم نفسه للقتل عالماً عامداً تعرفه مما نذكره ثمة. لا شك أنه ما كان المسلمون في شطر من الصدر الأول يُنزلون أهل البيت الطاهر بالمنزلة التي تنز لهم بها الجعفرية اليوم، من كونهم أئمة حق ومعصومين، فضلاً عن اعتقاد كون الإمامة والعصمة في عقب الحسين عليه السلام إلى عدة خاصة من أبنائه، فإنه مما لم يذعن به إلا ممتَحَنُ القلب، اللهم إلا في أعوام نزرة، مشوبة بفتن وحروب، كثر في خلالها عدد الشيعة، وثبتت عقائدهم، لكن لم تكن مقتضيات الأحوال يومئذ بالغة إلى حدّ يوجب سيادة هذا الاعتقاد في العالم الإسلامي. ثم ما برح ذلك العدد الجمّ أن عراه النقص، ولبس ثوب الإذلال، وكان ضئيلاً من قبل ذلك، وذلك لأجل الجنف( ) الذي أظهره آل أبي سفيان في المِصرَين( ) وما يتبعهما، وغيرهما من مراكز الشيعة، فقد غرسوا بغض علي عليه السلام وولده، وسبّهم، والبراءة منهم، في أعماق قلوب العامة، بأساليب مختلفة، وتتبّعوا شيعتهم على الظنة والتهمة، حتى كادوا أن يستأصلوا شأفتهم( )، وبعثوا إلى المشرّدين منهم والمسجونين ضروب الأذى والتنكيل، ووضعوا الأحاديث النبوية في فضل بني أمية( )، وأعلنت الخطباء في كل صقع بأسمائهم، مقرونة بالتبجيل والتكريم، وكونهم خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذوي رحِمِه، وورّاث حكمه وحكمته، وأن مخالفتهم ضلال، والخروج عليهم خروج عن ربقة الإسلام، حتى أتى على ذلك نيف وثلاثون سنة، وبعض هذا في أقل من تلك المدة كافٍ في اندراس ذكر علي وولده عليهم السلام، واندراس طريقتهم وأحكامهم. حتى إذا ولي الأمر يزيد بن معاوية بعد أبيه، وقد توطّدت له الأسباب، تسنّى له أن يبيد كل هاشمي من على جديد الأرض، لتهوّره، وشدة إقدامه، وتجاهره بهتك الحرمات، كما ينبئ عن ذلك - بعد يوم الطف - وقعة الحرة ورمي الكعبة. فلذلك قام الحسين عليه السلام ضدّ بني أمية، قيام مستاءٍ جداً من جرّاء قسوتهم المخالفة لدين الإسلام، ولا همّ له إلاّ إحياء ما أماتوه من الآثار والمآثر الإسلامية( )، وبقتلهم إيّاه تلك القتلة الشنيعة، بأيدي تلك الألوف المتجمهرة عليه، وقتل سبعة عشر رجلاً من بنيه وبني أخيه وعمّه، حتى الشباب وأطفال الرّضّع منهم، وقتل أنصاره وسبي ذراريه وعياله إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، حيث مركز الخلافة الأموية، وإشهار رأسه ورؤوس آله في البلدان، سقطت منزلة بني أمية من القلوب( )، وعلم الناس نواياهم السيئة، أيقنوا أنهم ليسوا بأئمة حقّ، لأن أفعالهم تلك لا تتفق مع أي دين، ولا يرافقها من العدل شيء بل هي خارجة عن حدود الإنسانية. وكان في نفوس العامة في العراق نفورٌ ما منهم، من جرّاء القتل الذريع بكبرائهم، لتهمة التشيع، وجنَف العمال بهم، وكذلك في الحجاز أيام استخلاف يزيد (عليه اللعنة)، لمعلومية فسقه وجوره، وظهر يومئذ للعالم الإسلامي كله أن بني أمية لم تسعَ في هدم دين الإسلام فقط، بل تسعى - عن طريق التعصب الجاهلي - في أن لا نبقي لهاشمي أثراً، وعلى الأخص بقايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ومن هذا الوجه ظهر للعالم أجمع مظلومية الحسين عليه السلام، وصار ذلك سبباً للالتفات إلى مظلومية أبيه يوم صفين، وأخيه عام الصلح( ). لما قتل الحسين عليه السلام طالب لسان اللوم الإنكار على يزيد (عليه اللعنة)، حتى من بني أمية أنفسهم، ومن بقايا الصحابة في الشام وفي المدينة المنورة، على حين إنه لم يكن بالإمكان ذكر علي عليه السلام والحسين عليه السلام بخير في البلدان القاصية عن مركز خلافة بني أمية، فضلاً عن إطرائهم بين يدي يزيد، ولدى حاشيته، وفي داره، حتى روى في (العقد الفريد) عن المدائني أنه لم توجد في دار يزيد سفيانية إلا وهي متلدّمة، تبكي على الحسين عليه السلام( ). وما كان ينفع يزيد عند الناس إسناد قتله إلى ابن مرجانة بغير علم منه، وهم يرون فرحه وسروره، بإشهار رأسه ورؤوس آله، وسوق ذراريهم وعيالهم له كالسبي المجلوب، وتزيينه الشام أياماً، استبشاراً بذلك. لعمري إن هذا الإطراء والذكر الجميل، واعتقاد مظلومية الحسين عليه السلام وآله عند العامة في الشام، أول مراتب التشيّع، ومعرفة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والإذعان بفضلهم، الذي لا سبب له إلا قتل الحسين عليه السلام. في عام قتل الحسين هاج كثير من أهل الكوفة للأخذ بثأره( )، وما زالوا يستعدون للثورة عدّتها، من جمع سلاح وتوفير عدد، نحواً من ثلاث سنين، وأهل المدينة في خلال تلك المدة ثائرون عليه، مع عبد الله بن حنظلة (غسيل الملائكة)( )، وابن الزبير ناصب بمكة يدعو إلى نفسه( )، ويعلن الطلب بثأر الحسين، بدء أمره حتى هلك يزيد (عليه اللعنة)، وحينئذ تجمهرت الألوف بالكوفة، لا حافز لها إلا الطلب بثأر الحسين عليه السلام، وهي تذكر أباه وأخاه وسائر آله بكل جميل، وتعلن استحقاق علي عليه السلام وولده الإمامة والخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يومئذ ظهر التشيع الصلب، وامتازت شيعة علي عليه السلام من شيعة بني أمية، ونتج من ذلك التجمهر والامتياز وقعة عين الوردة، التي قتل بها أكثر التوابين( )، ووقعة نهر الخازر، التي هلك فيها من جند بني أمية سبعون ألفاً، فيهم ابن مرجانة( ). وبان ثمة التشيع بأجلى مظاهره، وانقادت الناس من يومئذ إلى أهل البيت عليهم السلام باقتفاء آثارهم، والاقتباس من علومهم، وأخذ مراسم الدين منهم، وما برح الثوّار يتتابعون، كزيد بن علي( )، وولده عيسى بن زيد( )، وغيرهما، ويقوى أمر الشيعة، ويشتد أزرهم، وتظهر كلمتهم، وتثبت عقائدهم، ببركة تلك الثورات الناجمة من قتل الحسين عليه السلام، ولم يمض قرن واحد من لدن قتله حتى بِيْد بنو أمية، وأصبحت السلطة الإسلامية لفريق من بني هاشم، وهم بنو العباس، الذين - باسم ثارات الحسين عليه السلام وولده وبني عمومته - لم يبقوا من الأمويين في الأرض نافخ ضَرَمه( )، إلاّ من لا يُعرف. من هذه الرموز كلها تعرف معنى كون الحسين عليه السلام قتل لإحياء دين جده، وتذعن أنه لم يطلب حقاً هو لغيره، ولم يرد أن يكون جباراً في الأرض، وإلاّ فلا موقع لإطرائه والطلب بثأره. ولما رسخت أقدام العباسيين في الإمرة الإسلامية، ورأوا أن المغروس في أعماق قلوب أكثر المسلمين هو أن الرياسة الروحانية المقدسة لعقب الحسين عليه السلام من العلويين، خافوا على ملكهم بادرة الثوّار منهم، وأدرك أولئك أن لا قدرة لهم على الطلب بحقهم، وقد باد بنو أمية، وتشتت أفكار العامة، أعرست الدنيا بملك بني العباس( )، وكان الرئيس الروحاني من أولاد الحسين عليه السلام يومئذ، والمشار إليه من بينهم، والمطاع في الناس هو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فآثر العزلة وكذلك أبناؤه إماماً بعد إمام، وهم في خلال ذلك يلاقون ضروب الأذى والقتل والتنكيل، ولكنهم حفظوا ما قُتل عليه جدّهم بأمرهم شيعتهم - بدل الثورة - بالتذكّرات الحسينية، بذكر مصائبه، فُرادى وجماعات، في جميع الأحوال، ونقل ما جرى عليه وعليهم من الفجايع، من لدن قتله إلى أيامهم، والبكاء والإبكاء والتباكي لما أصابهم، وبالغوا في الإطناب بذكر ثواب ذلك، إلى حد هو فوق التصوّر، لأنهم رأوا أن ذلك هو اليد القوية في إحكام الرابطة بين أفراد الشيعة، وتميّزهم عمن سواهم من الشّيع، كما أن الثورات الدموية أوجبت تميزهم عن شيعة بني أمية، وحفظت عقائدهم لذلك الوقت، وعلى ذلك من الشواهد التاريخية ما تضيق عنه الرسالة. ثم إنّهم عليهم السلام - بمزيد لطفهم وواسع علمهم - حفظوا تلك المجتمعات، وحافظوا على الأفراد والجماعات من الشيعة، بتشديد الأمر عليهم بالاتّقاء والتستر، حتى نفوا اسم الدين عن غير المتّقي( )، وهذه المجتمعات - المأمور بها منهم ببيانات مختلفة والمنعقدة عندهم في منازلهم - هي ما نسميها اليوم (المآتم) و(مجالس العزاء). لا شك أنه لا غرض للأئمة عليهم السلام - وهم حكماء الأمة - من الأمر بذلك الاجتماع المحزن، وتذكّر تلك المصيبة المقرحة، في أحوال مخصوصة كثيرة، وزيارته التي لم يكفهم الترغيب فيها والمبالغة في ثوابها، حتى حذّروا من تركها. وبعبارة جامعة: ليس أمرهم بتلك الروابط الحسينية إلا حفظ المذهب عن الاندراس، وهو الغاية التي قتل لها الحسين عليه السلام، وهذه الحِكَم - مع أنها وجدانية - قد ألمعوا إليها بعبارات مختلفة، وضوحاً وخفاءً، وأمروا بها صريحاً، فيما تضمن الحث على إحياء أمرهم. نحو قول الصادق عليه السلام للفضيل بن يسار: «تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم، جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيى أمرنا»( ). وقوله عليه السلام: «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»( ). وقوله عليه السلام: «رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكر أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله بهما الملائكة ، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذّكر، فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا، ودعا إلى ذكرنا»( ). وغير ذلك. فكأنهم عليهم السلام رأوا إن تلك التذكارات الحسينية هي التي توجب بقاء الناس على مرور الأزمان على الاعتقاد بإمامتهم ووافر فضلهم وعصمتهم، ومظلوميتهم من الخلفاء في كلّ عصر من أعصارهم، وذلك روح التشيع( ). أنا لا أشد أن تلك المجالس والمجتمعات ألبستها الأئمة الأطهار عليهم السلام - بواسع علمهم وبُعد نظرهم للمستقبل - لباساً مذهبياً، لأنها السبب الوحيد لاجتماع كلمة الشيعة( )، ورسوخ عقائدهم، وبقاء ذكر الجميل بكل معانيه للأئمة فيما بينهم، وتلك نكتة مستورة عن جميع المسلمين، حتى عن الشيعة أنفسهم، فإنهم لا يتصوّرون هذه الفائدة من عملهم، بل قصدهم الثواب الأخروي فقط، لكن لما أن كل عمل لابد أن يظهر له - بطبيعته - أثر، فهذه المجالس بما يحدث فيها من إظهار مظلومية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم تؤثر تلك الثمرات للشيعة من حيث لا يشعرون. إليك فانظر ماذا يضرّ المتوكل العباسي، في كونه ملكاً وخليفة من ولد العباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أن طائفة من المسلمين تزور قبر الحسين عليه السلام، وهو ابن عمه، حتى يمنع عن زيارته، ويوجّه إليه الفعلة بأمرهم بحرثه، وإجراء الماء عليه( )؟ وما دخل ذلك في الملك والسلطان؟ لولا أنه قد أدرك أن الرابطة الحسينية هي المسبّبة عن اندفاع تلك الجماهير إلى زيارة قبره، مجتمعين عنده، ذاكرين فضله وفضل آبائه وأبنائه، ومظلوميتهم مجاهدين بالبكاء عليه وعليهم، هي التي توجب ثبوت الاعتقاد بإمامتهم، وذلك هو روح التشيع. أُنظر لم ينكر الإمام عليه السلام - وقد ارتفع البكاء في داره على الحسين عليه السلام واجتمع الناس على الباب - لم ينكر أن يكون ذلك على جدّه المظلوم، ويقول: مات طفل لنا، فبكت عليه النساء. وقد صدق، فقد ماتت لهم أطفال في كربلاء. بالله عليك ألم يدمج راوي انعقاد المأتم على الحسين عليه السلام يومئذ للبكاء عليه، فيقول: جاء قاصّ يقصّ فبكينا، ولا يقول: نذكر مصرع الحسين عليه السلام، وهل هم يبكون على مصيبة يقصّها القاصّ إلاّ مصيبة الحسين عليه السلام التي يجتمعون لأجلها؟ ولم يُتخَفّ بها، لولا أنها مظهر روح التشيع. وأنت إذا تيقّنت قيام تلك الفائدة الجلية بالمآتم الحسينية قياماً طبيعياً أرشدت إليه الأئمة الأطهار عليهم السلام بهاتيك الأخبار، لزمك الالتزام بوجوبها كفاية( )، ووجوب كلما يفيد مفادها كذلك، من تمثيل الفاجعة لحاسة البصر، أو سير مواكب الرجال في الأزقّة والشوارع مذكّرة بها، ولم تحتج بعد تلك الفائدة الملموسة باليد إلى نضد الأدلة على مشروعيتها، إذ أنها - بهذا البيان الذي يشهد به الوجدان - أجلّ من أن ريتاب مريب في رجحانها، بل وجوبها كفاية. وإن أقربها علاقة وشبهاً بالمآتم (التمثيل)، فإن من سبر غوره، وتعمّق بالغوص على سرّه، يعلم أن فيه من النّكت ما ليس في إقامة المآتم المجردة عنه. إذا كان السرّ في إقامة المآتم( ) والغرض منها - ظاهراً - إظهار مظلومية سيّد الشهداء لدى العموم، وباطناً اتفاق كلمة الشيعة، وحفظ عقائدهم عن الاندراس على مرور الأزمان، فلا ريب أن تمثيل الواقعة لحاسة البصر، بما يصدر فيها من حركة وسكون، قول وفعل، أبلغ في إظهار مظلومية ذلك الشهيد الأعظم من الأقوال المجرّدة على المنابر وفي المجامع، وأدخل في تثبيت العقائد، وإحكام الروابط بين أفراد الجعفرية. إذا كانت الفرقة الجعفرية تذكّر في المآتم وعلى المنابر المصائب التي وردت على الحسين عليه السلام، ونصب أعينها الأحاديث المرغّبة في البكاء عليه والحزن لأجله، فتمثيل تلك المصائب للأنظار له تأثير عظيم في القلوب، لأنه يجعل العام والخاص من الجعفرية راسخ العقيدة ثابت اليقين. لاشك أن الجعفرية في تمثيلها للفادحة الحسينية تصيب من جهة إحياء أمر الأئمة عليهم السلام، وهذا هو السبب الوحيد لتسليم الحسين عليه السلام نفسه للقتل، ومن جهة أخرى يحصل لهم ولغيرهم تحزين الطبايع، وإبكاء النواظر، وإثارة العواطف الرقيقة نحو المصاب بتلك الفادحة الكبرى، ورفع الستار عن فضايح الظالمين وأتباعهم. التمثيل وإن لم يكن قديماً عند الشيعة، بل هو حادث منذ عدة قرون، ولكن ليس كل حادث في المذهب لا يكون معمولاً به. الحادث إذا كان مفيداً فائدة القديم المشروع بوجه أتم وأبلغ، كان مشروعاً( )، لاسيما إذا احتمل كون تركه في الزمن الأقدم لعدم إمكان إقامته اتّقاءً. لا شك أن إظهار الحزن ومظلومية سيّد الشهداء عليه السلام، والإبكاء عليه وإحياء أمره بسنخه عبادة في المذهب، لا بشخص خاص منه، ضرورة أنه لم ترد في الشريعة كيفية خاصة للحزن والإبكاء وإحياء الذكر المأمور بها، ليقتصر عليها الحزين في حزنه، والمحيي لأمرهم في إحيائه، والمبكي في إبكائه( ). وإذا كان سنخ الشيء عبادة ومندوباً إليه، سرت مشروعيته إلى جميع أفراده من جهة الفردية، ولذلك لم نر أحداً من صلحاء الشيعة وعلمائهم، ولم يؤثر ولم يُنقل عن أحد منهم في الأجيال السالفة، من لا يعد التمثيل مثل قراءة كتاب المقتل في عباديّته وفي كونه مبكياً ومحزناً، فضلاً عن إنكار مشروعيته. إن الذين أدخلوا التمثل في التذكارات الحسينية لا شك أنهم من كبراء رجال أهل الدين المفكرين، وأرباب السلطة المتّبعة من الشيعة، ولذلك يظن البعض أنه انتشر في بلدان الشيعة من قبل سياسة السلاطين الصفوية( )، الذين هم أول سلسلة استولت على السلطنة بقوة المذهب، ثم أيّده رؤساء الشيعة الروحانيون شيئاً فشيئاً، وأجازوه. وبما أن حكماء الهند أقدم من الصفوية في استعماله استنبط منه أنّ هؤلاء أخذوه من أولئك، وألبسوه لباس المذهب لما رأوا من فوائده المذهبية. وحيث أنهيت المقصود من المقدمة، التي هي في الحقيقة نتيجة المقصد، فإني شارع - بعون الله تعالى - وذكر جميع التذكارات الحسينية على التفصيل، وباحث في كل منها من مشروعيته وعدمها، وعن حسنه وقبحه، وهناك يكون التعرض لرد (الصولة) بكمال الأدب والاحترام.

Table of Contents
المحتويات المقدمة 5 بسم الله الرحمن الرحيم 9 المآتم 33 التمثيل 37 تمثيل النساء 46 مجامع اللّدم 53 المواكب 57 موكب لدم الصدور 59 موكب السلاسل 68 موكب القامات 69 نظرة في التأريخ 85 النجف وعمل الشبيه 96 خاتمة مسكيّة 104 الأمر الأول 106 الأمر الثاني 110 الأمر الثالث 117 ملحق رقم (1) 119 آية الله العظمى الميرزا السيد عبد الهادي الشيرازي 121 آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الطباطبائي 121 آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي 122 آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي 122 آية الله الشيخ محمد حسن المظفر 122 آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء 122 آية الله العظمى الشيخ محمد كاظم الشيرازي 123 آية الله السيد علي مدد القايني 123 آية الله الشيخ يحيى النوري 123 آية الله العظمى الشيخ هاشم الآملي 123 آية الله الشيخ محمد باقر الآشتياني 124 آية الله السيد محمد الشاهرودي 125 آية الله السيد جمال الدين الكلبايكاني 126 آية الله السيد كاظم المرعشي 126 آية الله السيد مهدي المرعشي 126 ملحق رقم (2) 129 آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء 131 آية الله العظمى السيد ميرزا هادي الخراساني 133 آية الله العظمى السيد علي الحسني الفاني 134 آية الله العظمى الشيخ عبد الله المامقاني 137 آية الله الميرزا أبو القاسم القمي 137 آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي 140 آية الله الشيخ زين العابدين المازندراني 141 آية الله العظمى الشيخ مرتضى الأنصاري 147 آية الله السيد جمال الدين الكلبايكاني 147 آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني 148 آية الله العظمى السيد محسن الحكيم 149 آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي 149 آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري 150 آية الله السيد محمد جواد التبريزي 150 آية الله العظمى السيد علي التبريزي 150 آية الله العظمى الشيخ ضياء الدين العراقي 151 آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني 151 آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري 152 آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي 152 آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني 153 آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي 153 آية الله العظمى السيد عبد الله الشيرازي 154 آية الله العظمى السيد حسن القمي 154 الشيخ حسين الوحيد الخراساني 155 آية الله الشيخ جواد التبريزي 155 ملحق رقم (3) 157 السؤال 159 الجواب 160 السؤال 161 الجواب 161 السؤال 161 الجواب 162 السؤال 162 المحتويات 165

 
 



Copyright © World Library Foundation. All rights reserved. eBooks from Project Gutenberg are sponsored by the World Library Foundation,
a 501c(4) Member's Support Non-Profit Organization, and is NOT affiliated with any governmental agency or department.